كيف ينظر الشاب الفلسطيني الى تلفزيون الواقع

هبة لاما
انتشر في الآونة الأخيرة في الوطن العربي ما يدعى ب"تلفزيون الواقع"،
الذي ما لبث أن ظهر لأول مرة على إحدى الفضائيات العربية، حتى لاقى رواجاً
بين جمهور المشاهدين. وما إن نتابع التقارير المتناولة لعدد الاتصالات
التي تتلقاها هذه البرامج، حتى نتأكد من ذلك؛ فقد بلغ عدد المتصلين في أحد
البرامج عام 2004، بحسب مجلة العصر، أكثر من 70 مليون، موزعين بين
السعودية ومصر ولبنان والكويت والإمارات واليمن وسوريا والأردن. هذا ناهيك
عن الرسائل القصيرة ال SMS التي تصل البرنامج يومياً، تشجيعاً للمتسابقين.
وإن كان الهدف المعلن لتلفزيون الواقع هو التسلية والترفيه، إلا أن
الأرباح الهائلة المكتسبة لا بد وأن أخذت بالحسبان قبل التفكير في إطلاق
مثل هذه البرامج.

ولتلفزيون الواقع تأثير كبير على جمهور المتابعين. فبعد إغراق
المواطن العربي بقصص الحرب والقصف والإنتفاضة والأحداث السياسية لعدة
سنوات، رأى المواطن في هذه البرامج متنفساً للخروج من الأزمة العربية
وخيبات الأمل المتلاحقة. فأخذ يخرج من أزمته بالدخول إلى عالم تلفزيون
الواقع، حيث التسلية والترفيه ومتابعة قصص وأحداث وحياة الآخرين. ولكون
الإنسان فضولي بطبعه، فقد نجح منتجو هذه البرامج باستقطاب أعداد هائلة من
المشاهدين والمشتركين في التصويت من كافة البلدان العربية.
برامج تلفزيون الواقع دخلت إلى البيت الفلسطيني، كما دخلت البيوت
العربية الأخرى؛ فالبعض رآها وسيلة للمتعة والخروج من الأزمة السياسية
ومشاكل الاحتلال اليومية، والبعض الآخر رآها وسيلة لتوجيه اهتمام الشباب
الفلسطيني عن قضيته وأرضه، وشرع آخرون ينفقون الأموال للتصويت لهذا أو ذاك.
"وقتي أثمن من أن أقضيه في مشاهدة مثل هذه البرامج"
وتتحدث "ناهد حنانيا" عن أحد برامج تلفزيون الواقع فتقول: "عندما بث
(ستار أكاديمي) لأول مرة، كنت أتابعه من حين إلى آخر، كوسيلة للتسلية لا
غير؛ إذ وجدت المتعة في متابعة حياة الآخرين، وما يحصل معهم. إلا أنني بعد
ذلك اكتشفت أن كل هذا ليس إلا مضيعة للوقت، وان وقتي أثمن من أن أقضيه في
مشاهدة مثل هذه البرامج".
لا ضير من مشاهدة برامج تلفزيون الواقع
أما (س.أ) فيرى أن برامج تلفزيون الواقع ليست للتسلية فقط وإنما تساهم
في تقديم فوائد جمة للمشاهدين وتثقيفهم موسيقياً، إضافة إلى التعرف على
اللهجات المختلفة وعادات وتقاليد كل دولة عربية، ناهيك عن التعرف على
اللغات الأجنبية كالفرنسية والإسبانية. ويقول: "أنا شخصياً كنت من أشد
المتابعين ل(ستار أكاديمي)، والمشجعين لنجومه". ويضيف: "لست أرى في متابعة
هذه البرامج مضرة للشباب الفلسطيني، أو مضيعة للوقت، فالإنسان بحاجة إلى
وسائل للتسلية والمتعة في خضم ما نعانيه في فلسطين. فلا ضير في بعضٍ من
(ستار أكاديمي) أو (بيرفيكت برايد)".
تواجد الكاميرات يؤدي إلى تلاشي العفوية
وتوافقه "فيرا البندك" الرأي، إلا أنها ترى أنه ليس بالضرورة أن يتصرف
أبطال تلفزيون الواقع على سجيتهم وعفويتهم، "فالإنسان المحاط بالعديد من
الكاميرات لا بد له وأن يتنبه إلى جميع تصرفاته وأفعاله، ويحسب كل حركة
تصدر عنه، لتشكيل الصورة التي يريد للناس أن يروه فيها، وبالتالي تلاشي
العفوية المفروض تواجدها في هذه البرامج". وتضيف: "إن لتلفزيون الواقع
سلبياته كما له إيجابياته؛ فبالإضافة إلى التعرف على الخبرات المتنوعة،
يجد الإنسان نفسه في النهاية وقد سئم من متابعة تفاصيل حياة المشاركين،
وتصرفاتهم التي لا بد لها وأن تكون مصطنعة أمام هذا العدد من الكاميرات".
"التسلية لا تقوم على مشاهدة خصوصيات الآخرين"
ويعارض (م.س) برامج تلفزيون الواقع كلياً ويصفها بالتخلف وعدم احترام
عادات وتقاليد المجتمع العربي. ويتحدث (م) عن برنامج (بيرفيكت برايد)
ويقول: "إن مثل هذه البرامج المستوردة من الغرب، ليست إلا وسيلة لدفع
شبابنا إلى عالم غير عالمه، وإلى بيئة غير بيئته، وجعله يتبنى تقاليد
وعادات ليست له". فالتسلية- بحسب رأيه- " لا تقوم على مشاهدة خصوصيات
الآخرين، فهناك وسائل جمة يستطيع الإنسان استغلالها بهدف تمضية وقته بشكل
مفيد".
تلفزيون الواقع سيف ذو حدين
تقول نجمة دار طاهر: " أرى أن تلفزيون الواقع كظاهرة حديثة في عالمنا
العربي، هو سيف ذو حدين، وهذا يتوقف على كيفية تعامل الشخص مع مثل هذه
البرامج، إذ عادة تكون هذه البرامج مقولبة بصورتها الجاهزة والنهائية من
الغرب، بجميع تفاصيلها وحيثياتها، وبما أن بيئتنا ليست كتلك الغربية، فإن
المواطن الفلسطيني يرى في برامج تلفزيون الواقع طريقة للتخلص من المعاناة
التي يعيشها يومياً، ويقوم بتفريغها بمتابعة الأحداث وأدق التفاصيل
ومعايشتها، ما يؤدي إلى حالة من الإحباط والنفور من الواقع وعدم القدرة
على التأقلم معه، وهذا في رأيي ما يسعى إليه الغرب عن طريق إسقاط ثقافته
وعاداتها على العالم العربي. لكن هذا لا يمنعنا من النظر إلى الجانب
الإيجابي لهذه البرامج والمتمثل في الناحية الفنية والترفيهية التي
تقدمها".
وتضيف نجمة: "أنا أناشد المشاهد العربي إلى عدم الانغماس كلياً في
برامج تلفزيون الواقع وأخذها على محمل الجد، والتنبه إلى أنها تقدم ثقافة
دخيلة قد تؤدي به إلى الهلاك عن طريق الغزو الثقافي والفكري الذي يعد أقوى
من الغزو العسكري نفسه".
هذه بعض من أراء الشباب الفلسطيني في تلفزيون الواقع وتأثيره على حياة
المواطن الفلسطيني، بإيجابياته وسلبياته على حد سواء. وليس المهم معارضة
أو تأييد هذه البرامج، إنما المهم إدراك ماهيتها وأهدافها، والتعامل معها
بطريقة محايدة لا تؤدي إلى تشرب جميع تفاصيلها بما يناسب ولا يناسب
مجتمعنا العربي. فالذكاء أن تأخذ ما يمكنك الاستفادة منه، وتترك ما لا
يناسبك